أورد الشريف الإدريسي في كتابه " نزهة المشتاق في اختراق الآفاق " عن فلسطين مايلي :
"وأما حدود فلسطين هي أول أحواز الشام وحدودها مما يلي المغرب مقدار أربعة أيام وذلك من رفح إلى اللجون وعرضه من يافا إلى أريحا مسيرة يومين وزغر وديار قوم لوط والبحيرة المنتنة وجبال الشراة مضمومة إليها وهي منها في العمل إلى حدود أيلة.
وديار قوم لوط والبحيرة المنتنة وزغر إلى بيسان وطبريا و تسمى الغورلأنها بقعة بين جبلين وسائر مياه الشام تنحدر ثم تجتمع فيكون منها نهر زخار أوله من بحيرة طبريا فيأخذ من طبريا و جميع الأنهار تصب إليه مثل نهر اليرموك والحد وأنهار بيسان وماينصب من كورو جبال بيت المقدس وجبل قبر إبراهيم عليه السلام وجميع أيضا ماينصب من نابلس فإنه يجتمع الكل منها حتى يقع في بحيرة زغر وتسمى بحيرة سادوم وغاموراء وهما كانتا مدينتي قوم لوط فغرقهما الله تعالى وعاد مكانهما بحيرة منتنة سميت البحيرة الميتة لأن مافيها شيء له روح لاحوت ولا دابة ولاشيء متكون مثلما يتكون في المياه الراكدة والمتحركة وماؤها حار كريه الرائحة وفيه سفن صغاريسافر بها في تلك الناحية وتحمل عليها الغلات والتمر من زغر و الدارة إلى أريحا وسائر أعمال الغور وطول هذه البحيرة ستون ميلا وعرضها إثنا عشر ميلا.
ومن أريحا إلى زغر يومان ومن زغر إلى جبال الشراة ومن جبال الشراة إلى آخر الشراة يومان.
ومن أريحا إلى بيت المقدس مرحلة ومن بيت المقدس إلى عمان والبلقاء يومان ومن الرملة إلى قيسارية مرحلة كبيرة.
وأريحا المذكورة من أجمل بقاع الغور وعمتا وبيسان وأكثر غلات بلاد الغور النيلج وأهله سمر بل هم إلى السواد أقرب.
والجي بلد من بلاد فلسطين صغير ،ماؤه حار وهواؤه وخيم.
وأما مدينة بيسان فصغيرة جدا وبها نخل كثير وينبت بها السامان الذي يعمل به الحصر السامانية ولايوجد نباته البتة إلا بها وليس في سائر الشام شيء منه.
وفلسطين ماؤها من الأمطار و السيول وأشجارها قليلة وديار فلسطين حسنة البقاع بل أزكـى بلاد الشام ومدينتا الشام هما الرملة ثم بيت المقـدس.
فأما الرملـة فهي مديـنة حسـنة عامرة وبـها أسواق وتجارات ودخل وخرج ومنها إلى يـافـا التي على ساحل البحر الملح نصف يوم.
ومن الرملة إلى نابلس يوم.
ومن الرملة إلى قيسارية مرحلة كبيرة.
ونابلس مدينة كبيرة وبها البئر الذي حفره يعقوب عليه السلام وبها جلس السيد المسيح وطلب من المرأة السامرية الماء ليشرب وعليه الآن كنيسة حسنة ويزعم أهل بيت المقدس أن السامرية لايوجد أحد منهم إلا بهذه المدينة.
وبآخر مدن فلسطين مما يلي الجفار و طريق مصر مدينة غــزة وبينهما من الأميال ثلاثون ميلا.
وبين عسقلان وغزة نحو من عشرين ميلا وهي الآن عامرة بأيدي الروم ومرسـى غزة تيدا.
.................
ومن غزة إلى مدينة رفح وهي مدينة صالـحة مرحلة ومنها إلى العريش مرحلة ومن العريش إلى الورادة وهي منزل قرب البحر مرحلة.
ومن الورادة إلى الفرما وهي مدينة على بحر الشام مجاورة لبحيرة تنيس مرحلة.
وأما مدينة عسقلان فهي مدينة حسنـة ذات سوريـن و بها أسواق وليس من خارجها بساتين وليس بها شيء من الشجر واستفتحها صاحب القدس بعساكر الروم من الإفرنجة وغيرهم عام 548وهي الآن بأيديهم وعسقلان معدودة في أرض فلسطين ويقابلها في جهة الجنوب ناحيتان جليـلتـان وهما جبال وشراة فأما جبال فمدينتها تسمى دراب وشراة أيضا مدينتها تسمى أذرح وهما في غايـة الخصـب و كثرة أشجار الزيـتون و التيـن و الكروم والرمان وعامة سكانها من قيس.
وكذلك بين جنوب منها وشرق قرية مؤتة ومنها إلى عمان تمر فيما بين شعبي جبل يقال له الموجب وهو واد عظيـم عميـق القعر ويمر فيما بين هذين الشعبين وليسا بمتباعدين وذلك مكن أن يكون بمقدار مايمكن أن يكلم إنسان إنسانا وهما واقفان على ضفتي النهر فيسمع بعضهما بعضا ينزل فيه السالك ستة أميال و يصعد ستة أميال.
ومن عسقلان الساحلية المتقدم ذكرها إلى حصن الماحوز الأول على البحر خمسة وعشرون ميلاً ويقابله في البرية كوم زنجل وبيت جبريل وهما محلان ينزل بهما ثم إلى الماحوز الثاني خمسة وعشرون ميلاً ومنها إلى مدينة يافا وهي فرضة بيت المقدس وبينهما مرحلتان خفيفتان.
وبيت المقدس مدينة جليلة قديمة البناء أزلية وكانت تسمى إيلياء وهي على جبل يصعد إليها من كل جانب وهي في ذاتها طويلة وطولها من المغرب إلى المشرق وفي طرفها الغربي باب المحراب وهذا الباب عليه قبة داوود عليه السلام وفي طرفها الشرقي باب يسمى باب الرحمة وهو مغلق لا يفتح إلا من عيد الزيتون لمثله ولها من جهة الجنوب باب يسمى باب صهيون ومن جهة الشمال باب يسمى باب عمود الغراب وإذا دخل الداخل من باب المحراب وهو الباب الغربي كما قلناه يسير نحو المشرق في زقاق شارع إلى الكنيسة العظمى المعروفة بكنيسة القيامة ويسميها المسلمون قمامة وهي الكنيسة المحجوج إليها من جميع بلاد الروم التي في مشارق الأرض ومغاربها فيدخل من باب في غربها فيجد الداخل نفسه في وسط القبة التي تشمل على جميع الكنيسة وهي من عجائب الدنيا والكنيسة أسفل ذلك الباب ولا يمكن أحداً النزول إليها من هذه الجهة ولها باب في جهة الشمال ينزل منه إلى أسفل الكنيسة على ثلاثين درجة ويسمى هذا الباب باب شنت مرية وعند نزول الداخل إلى الكنيسة تلقاه المقبرة المقدسة المعظمة ولها بابان وعليها قبة معقودة قد أتقن بنيانها وحصن تشييدها وأبدع تنميقها وهذان البابان أحدهما يقابل الشمال حيث باب شنت مرية والباب الآخر يقابله من جهة الجنوب ويسمى باب الصلوبية وعلى هذا الباب قنبنار الكنيسة ويقابلها من جهة الشرق كنيسة عظيمة كبيرة جداً يقدس فيها إفرنج الروم ويتقربون.
...